شرح الحديث النبوي الشريف
خلَقَ اللهُ سُبحانَه الخلْقَ وهداهم إلى الخَيرِ والحقِّ، وعرَّفَهم صِفاتِ الشَّرِّ؛ ليجْتنِبوها، ولِعِلْمِه سُبحانَه بضعْفِ خلْقِه فيمَن يقَعُ منهم في فِتَنِ الدُّنيا، فتَحَ لهم بابَ التَّوبةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ اللهَ يقبَلُ توبةَ العبْدِ ما لم يُغرْغِرْ"، أي: يقبَلُ مِن عبْدِه التَّوبةَ والرُّجوعَ إلى الحقِّ، والاعترافَ بالذَّنْبِ والتَّبرُّؤَ منه طوالَ حَياتِه، ما دام واعيًا ولم يُدْرِكْه الموتُ، لا أنْ يكونَ في حالةِ الاحتضارِ، ففي هذه الحالةِ لا يقبَلُ اللهُ توبةً؛ وذلك أنَّ العبدَ يَرى ملائكةَ ربِّه، ويتيقَّنُ أنَّه ميِّتٌ، ولا اختيارَ له في العودةِ؛ فإنَّ التَّوبةَ بعدَ التَّيقُّنِ بالموتِ لا يُعتَدُّ بها، فالمُعتبَرُ هو الإيمانُ بالغيبِ، والمُرادُ بالغرْغرةِ، أي: ما لم تبلُغْ رُوحُه حُلْقومَه، فيكونُ بمنزلةِ الشَّيءِ الَّذي يتغرغَرُ به المريضُ، وهذا مِصداقُ قولِه تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: 17، 18].
وفي الحديثِ: بَيان سَعَةِ رَحمةِ اللهِ بخلْقِه.
وفيه: الحثُّ على الإسراعِ إلى التَّوبةِ قبْلَ سَكراتِ الموتِ، التي لا يَدري الإنسانُ متَى تأتِيه.