لم أكن جاوزت الثلاثين من عمرى حين أنجبت زوجتي أوّل اطفالى
انت في الصفحة 3 من 3 صفحات
سافرت.. إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.. كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه.. كانت تضحك فرحًا وبشرًا.. إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها.. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة.. تغيّر صوتها.. قلت لها: أبلغي سلامي لسالم.. فقالت: إن شاء الله.. وسكتت.. أخيرًا عدت إلى المنزل.. طرقت الباب.. تمنّيت أن يفتح لي سالم.. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.. حملته بين ذراعي وهو يصر-خ: بابا.. يابا.. لا أدري لماذا انقبض صد-ري حين دخلت البيت.. استعذت بالله من الشيط-ان الرجيم.. أقبلت إليّ زوجتي.. كان وجهها متغيرًا.. كأنها تتصنع الفرح.. تأمّلتها جيدًا.. ثم سألتها: ما بكِ؟ قالت: لا شيء.. فجأة تذكّرت سالمًا.. فقلت.. أين سالم ؟ خفضت رأسها.. لم تجب.. سقطت دمعات حارة على خديها.. صر-خت بها.. سالم.. أين سالم..؟ لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد.. يقول بلثغته: بابا.. ثـالم لاح الجنّــة.. عند الله.. لم تتحمل زوجتي الموقف.. أجهشت بالبكاء.. كادت أن تسقط على
الأرض.. فخرجت من الغرفة.. عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين.. فأخذته زوجتي إلى المستشفى.. فاشتدت عليه الحمى.. ولم تفارقه.. حتى فارقت روحه جس-ده.. أحسست أن ما حدث ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى… أجل إنّه اختبار وأيّ اختبار؟! صبرت على مصابي وحمدت الله الذي لا يحمد على مكر-وهٍ سواه.. ما زالت أحس بيده تمسح دموعي، وذراعه تحيطني.. كم حزنت على سالم الأعمى الأع-رج!!! لم يكن أعمى، أنا من كنت أعمى حين انسقت وراء رفقة سوء، ولم يكن أعرج، لأنه استطاع أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء.. سالم الذي امتنعت يومًا عن حبّه!! اكتشفت أنّي أحبّه أكثر من أخوته!!! بكيت كثيرًا … كثيرًا، ومازلت حزينًا…كيف لا أحزن وقد كانت هدايتي على يديه؟! متــأكّــدًا لـو أنـكم عرفتـم “ســالـم “ســتحبّونه أكثـر ممّـا أحببنــاه إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف … يا الله إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي… يا الله لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم