كل ساق سيسقى بما سقى قصة حقيقة فيها الكثير من العبر
والكل يُحيّيه تحية تقدير واحترام ويتودد إليه، يبدو أنه صاحب مكانة وشأن في هذا المستشفى !
وراح يطوف بالبنت بين قاعة الإستعجالات، ومخبر التحاليل، وجناح التصوير بالأشعة، وقسم التخدير والإنعاش، والجراحة العامة، وفي حدود الساعة الرابعة صباحًا كانت البنت قد أجريت لها عملية جراحة ناجحة واستعادت وعيها!!
حمدتُ الله، وشكرتُ الشاب الذي كان لي ظهيرًا وسندًا ومعينًا..
قلت له: ( والله، سيبقى خيرك يطوق عنقي ما حييت)
فقد كان كل مَن في المستشفى يخدمني خدمة استغربتُ من مستواها الراقي جدًا، ولم أسمع بها سوى في مستشفيات الدول المتقدمة في هذا المجال..!!
وبعد ثلاثة أيام، أمرني الطبيب الذي أجرى العملية الجراحية لابنتي بمغادرة المستشفى، فطلب مني الشاب الذي التقيته أول يوم أن تمكث الطفلة في بيته أسبوعًا آخر حتى تسترد عافيتها وتستكمل نقاهتها، لأن السفر متعب والمسافة بعيدة!!
استحييت من كرمه وخيره، لكني استجبت له، ومكثت في ضيافته سَبع ليالٍ، وكانت زوجته تخدم ابنتي وكان هو وأولاده يترفقون بي وبابنتي ويعاملونني بمنتهى الرقة واللطف والأدب !!
وفي الليلة السابعة، لمّا وضعوا الطعام على المائدة، وتحلقوا للعَشاء، امتنعت عن الطعام، وبقيت صامتًا لا أتكلم..
قلت وبصوت مرتفع ونبرة حادة: والله، لن أذوق لكم طعامًا إلا إذا أخبرتموني مَن أنتم؟ ومَن تكونون؟
أنتَ تخدمني طوال أسبوع كامل، وأنا لا أعرفك.. تخدمني وتُبالغ في إكرامي، وأنا لم ألتقِ بك سوى مرة واحدة في المستشفى، من أنت!؟
قال: يا عم كُلْ، هيا كُلْ وبعد العشاء أخبرك..
قلت: والله لن تدخل فمي لقمة واحدة، ولن آكل طعامك إن لم تخبرني من أنت؟ ومن تكون؟
حاول الرجل التهرب من الجواب لكنه وأمام إصراري.. أطرق برأسه قليلا.. ثم قال بنبرة خافتة: يا عم، إن كنتَ تَذْكُر، فأنا ذاك الطفل الذي أعطيته ( خمسة دنانير ) سنة 1964، عندما كنتُ أجلس
خلفك في الحافلة،
أنا إبن فلان إبن فلان..
قلت له: آه تذكرت، أنت إبن فلان من قريتنا.. نعم، نعم، لقد تذكرت..